البيان 24 . فايننشال تايمز سام فليمنج
أظهر الاقتصاد العالمي مرونة أكبر من المتوقع رغم ضراوة حرب دونالد ترامب التجارية، لكن الاضطرابات الجيوسياسية وتراجع ثقة الشركات يهددان بتقويض النمو، وفقاً لبحث أجرته صحيفة فاينانشال تايمز.
ويشهد النشاط الاقتصادي الحقيقي في الاقتصادات المتقدمة أقوى مستوياته منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، على الرغم من صدمة رسوم الرئيس الأمريكي الجمركية، وفقاً لأحدث نتائج مؤشرات بروكينغز- فاينانشال تايمز لتتبع الانتعاش الاقتصادي العالمي.
ويعود التوسع جزئياً في الاقتصاد الأمريكي إلى تسريع الأسر والشركات للإنفاق والاستثمار قبل سريان الرسوم الجمركية.
وقد ساعد ارتفاع الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة على استدامة النمو الأمريكي بشكل خاص.
لكن إسوار براساد، الزميل في مؤسسة بروكينغز، حذّر من «تصدعات في الأسس»، بما في ذلك الانفصال الواضح بين أسواق الأسهم المزدهرة والتهديدات التي تهدد آفاق النمو.
ويكشف البحث عن «مشهد اقتصادي يبدو حميداً ولكنه غير مستقر، حيث تتراجع ثقة الأسر والشركات بسبب عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، والاضطرابات السياسية في العديد من البلدان، إلى جانب التقلبات الجيوسياسية»، وفقاً لبراساد.
وتأتي هذه النتائج في الوقت الذي يستعد فيه صانعو السياسات والاقتصاديون للتجمع لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن والتي تبدأ اليوم.
كما تأتي في وقت حذر ترامب فيه من أنه يفكر في «زيادة هائلة» في الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين بسبب قرارها بفرض ضوابط تصدير شاملة على المعادن الأساسية.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، قبيل اجتماعات واشنطن: إن الصندوق يتوقع تباطؤ النمو العالمي «بشكل طفيف فقط هذا العام والعام المقبل»، حيث تشير مختلف الدلائل إلى «اقتصاد عالمي نجح في الصمود بوجه عام أمام ضغوط حادة ناجمة عن صدمات متعددة».
وجاء ذلك نتيجة لقطاع خاص أثبت قدرته على التكيف مع النظام التجاري الجديد أكثر مما كان متوقعاً، كما كان تأثير التعريفات الجمركية أقل حدة مما كان يُخشى في البداية عندما أعلن ترامب عن حزمة رسوم «يوم التحرير» في أبريل. كذلك، ظلت الظروف المالية داعمة بفضل الارتفاع الهائل في أسعار الأسهم.
وحسب صندوق النقد الدولي، انخفض معدل التعريفات الجمركية في الولايات المتحدة من 23% في أبريل إلى 17.5% الآن، فيما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل 3.8% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو، لكن جورجيفا أعربت عن مخاوفها بشأن عوامل الخطر، بما في ذلك احتمال حدوث تصحيح حاد في أسواق الأسهم، خاصة في ظل دفع طفرة الذكاء الاصطناعي التقييمات نحو الاقتراب من مستويات «فقاعة الدوت كوم».
وقال إسوار براساد: «إن الأسواق المالية، التي أصيبت في البداية بالذعر من سياسات التجارة الأمريكية غير المنتظمة، تمضي قدماً مع تسجيل مؤشرات الأسهم في جميع أنحاء العالم مستويات قياسية جديدة حتى في ظل ضعف آفاق النمو».
وأضاف: «يحتاج صانعو السياسات إلى استغلال هذه الفترة من الهدوء النسبي للمضي قدمًا في الإصلاحات والسياسات المنضبطة التي من شأنها تحسين مرونة اقتصاداتهم في مواجهة التقلبات المتزايدة الناجمة عن انهيار النظام القائم على القواعد».
وفي تأكيد للتهديدات التي تواجه النمو، كشف مؤشر تتبع الانتعاش الاقتصادي العالمي عن استمرار ضعف ثقة الأسر والشركات في الاقتصادات المتقدمة، حتى مع بقاء المعنويات أعلى من المتوسطات طويلة الأجل في الأسواق الناشئة.
وفي حين استمر النشاط الاقتصادي العالمي في اتجاهه الصعودي، لفت البحث إلى علامات مبكرة على تباطؤ المؤشرات الأمريكية، إلى جانب تباطؤ الأداء في الصين.
وقال براساد: «بدأ التوسع الاقتصادي الأمريكي يفقد زخمه، حيث تؤثر تقلبات سياسات إدارة ترامب التجارية، ومواقفها القاسية تجاه الهجرة، وتخفيضات الإنفاق الاجتماعي سلباً على النمو والتوظيف.
وفي حين أن احتمالية حدوث ركود لا تزال منخفضة، إلا أن المؤشرات الكلية غطت حتى الآن على ضعف قطاع التصنيع، كما يبدو سوق العمل أقل قوة مما كان عليه قبل شهرين فقط».
وأضاف أن مؤشرات منطقة اليورو تشير هي الأخرى إلى آفاق فاترة، إذ تواجه ألمانيا احتمال انكماش للعام الثالث على التوالي، بينما تُصارع فرنسا بسبب أزمة سياسية مستمرة هزت الثقة في ماليتها العامة.
ورغم أن نمو النشاط الحقيقي في المملكة المتحدة ظل إيجابياً، إلا أن احتمال إعلان وزيرة المالية راشيل ريفز عن ميزانية صعبة أخرى في 26 نوفمبر يُلقي بظلاله على المعنويات.